سورة الأنفال - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} قال مجاهد سبب هذه الآية أنهم لما انصرفوا عن القتال كان الرجل يقول: أنا قتلت فلانا ويقول الآخر مثله، فنزلت الآية. ومعناه: فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم ولكن الله قتلهم بنصره إياكم وتقويته لكم.
وقيل: لكن الله قتلهم بإمداد الملائكة.
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} قال أهل التفسير والمغازي: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرا، ووردت عليهم روايا قريش، وفيهم أسلم، غلام أسود لبني الحجاج، وأبو يسار، غلام لبني العاص بن سعيد، فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: أين قريش؟ قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى- والكثيب: العقنقل- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: كم القوم؟ قالا كثير، قال: ما عدتهم؟ قالا لا ندري، قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا يوما عشرة ويوما تسعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف» ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري ابن هشام، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» فلما أقبلت قريش ورآها رسول الله تصوب من العقنقل، وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي، قال لهم: هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فلما التقى الجمعان تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصى عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق منهم مشرك إلا دخل في عينيه وفمه ومنخريه منها شيء، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم.
وقال قتادة، وابن زيد: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وبحصاة في ميسرة القوم وبحصاة بين أظهرهم، وقال: شاهت الوجوه، فانهزموا، فذلك قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}، إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفا من الحصا إلى وجوه جيش فلا يبقى فيهم عين إلا ويصيبها منه شيء.
وقيل: معناه الآية وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ.
وقيل: وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم حتى انهزموا، {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} أي: ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لدعائكم، {عَلِيمٌ} بنياتكم.


{ذَلِكُمْ} الذي ذكرت من القتل والرمي والبلاء الحسن، {وَأَنَّ اللَّهَ} قيل: فيه إضمار، أي: واعلموا أن الله {مُوهِنُ} مضعف، {كَيْدِ الْكَافِرِينَ} قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة: {موهن} بالتشديد والتنوين، {كيد} نصب، وقرأ الآخرون {موهن} بالتخفيف والتنوين إلا حفصا، فإنه يضيفه فلا ينون ويخفض {كيد}.
قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر لما التقى الناس: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان، حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟ فقال: عاهدت الله عز وجل إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله، فما سرني أني بين رجلين بمكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء.
وأخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا محمد بن المثنى، ثنا ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم: «من ينظر لنا ما صنع أبو جهل؟» قال: فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: فأخذ بلحيته فقال: أنت أبو جهل؟ فقال: وهل فوق رجل قتله قومه أو قتلتموه.
قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه أمر بأبي جهل بن هشام أن يلتمس في القتلى، فقال: اللهم لا يعجزنك، قال فلما سمعتها جعلته من شأني فعمدت نحوه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني جعلت عليها قدمي، ثم تمطيت بها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل وهو عقير معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رمق، فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل قال عبد الله بن مسعود: وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه، ثم قلت: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: وبماذا أخزاني، أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة؟ قلت: لله ولرسوله.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: قال لي أبو جهل: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، ثم احتززت رأسه، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا رأس أبي جهل، فقال: آلله الذي لا إله غيره؟ قلت: نعم، والذي لا إله غيره، ثم ألقيته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل.
وقال السدي والكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ففيه نزلت: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
وقال عكرمة: قال المشركون والله لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق، فأنزل الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أي: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
وقال أبي بن كعب: هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى للمسلمين: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أي: إن تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد، ثنا عبد الرحيم بن منيب، ثنا الفضل بن موسى، ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن خباب رضي الله عنه قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا؟ فجلس محمارا لونه أو وجهه فقال لنا: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، ويحفر له في الأرض ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثم يجعل بفرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب، وما يصرفه عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، ولكنكم تعجلون».
قوله: {وَإِنْ تَنْتَهُوا} يقول للكفار، إن تنتهوا عن الكفر بالله وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم، {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا} لحربه وقتاله، {نَعُدْ} بمثل الواقعة التي وقعت بكم يوم بدر. وقيل: وإن تعودوا إلى الدعاء والاستفتاح نعد للفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم، {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ} جماعتكم، {شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص {وأن الله} بفتح الهمزة، أي: ولأن الله مع المؤمنين، كذلك {لن تغني عنكم فئتكم شيئا}، وقيل: هو عطف على قوله: {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين}، وقرأ الآخرون: {وإن الله} بكسر الألف على الابتداء.


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ} أي: لا تعرضوا عنه، {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} القرآن ومواعظه.
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} أي: يقولون بألسنتهم سمعنا بآذاننا وهم لا يسمعون، أي لا يتعظون ولا ينتفعون بسماعهم فكأنهم لم يسمعوا.
قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} أي: شر من دب على وجه الأرض من خلق الله {الصُّمُّ الْبُكْمُ} عن الحق فلا يسمعونه ولا يقولونه، {الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} أمر الله عز وجل، سماهم دواب لقلة انتفاعهم بعقولهم، كما قال تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضل} [الأعراف- 179] قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي، كانوا يقولون: نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد، فقتلوا جميعا بأحد، وكانوا أصحاب اللواء لم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة.
{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ} أي: لأسمعهم سماع التفهم والقبول، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} بعد أن علم أن لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك، {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره. وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أحيي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك، فقال الله عز وجل: {ولو أسمعهم} كلام قصي {لتولوا وهم معرضون}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8